إثر إصابته بكسور في ساقهِ اُسعِف إلى مشفى خاص، وعندما سأله الطبيب عن السبب، أفاد بأنه كان يتسلق شجرة عالية فسقط منها وكسرَ ساقه. فسأله الطبيب: وما الذي دعاك لتسلق الشجرة ؟!!.
صمتَ بُرهة باحثاً عن جواباً يُسعفه، لكنه لم يجد غير إيماءةٍ مفادها "الله أعلم"، عندها تناول الطبيب قلماً وكتب العلاج اللازم، ونصحهُ أن يغسل يديه بالصابون جيداً قبل الأكل وبعده وطلب منه أن يشرب قنينةَ الدواء التي وصفها له دفعةً واحدة و أن يُكرر شُرب جُرعةٍ مثلها بعد أسبوعين، ثم يعود إليه، فتساءل مُستغرباً: ألن تضع ساقي المكسورة في (الجبس) ؟!!.
رد الطبيب: ليس قبل أن تشرب الدواء كما وصفتْ.
ساورته الشكوك في قدرات هذا الطبيب وفي نجاعة طرق علاجه الغريبة، ومع ذلك قرر إكمال المشوار وشراء العلاج، لكنه اكتشف أن الدواء الذي اشتراه يُستخدم للقضاء على الديدان التي تُسبب حكة مُزعجة في منطقةِ حساسة من الجسم محظور لمسها خاصة إذا اعترت المصاب وهو مُحاط بالناس و إلا .. وقع في حرج شديد.
جُن جنونهُ وتأكدت شكوكه ليس في قدرات الطبيب المهنية فحسب بل وفي قدراته العقلية أيضاً، فعاد إليه ثائراً وبادر برمي (الروشيتة) في وجهه وأخذ يكيل له ولمن منحهُ رُخصة مزاولة الطب ألوان السباب التي تعلّمها منذ نعومة أظافره.
تقبل الطبيب الثورة العارمة برحابةِ صدر تقديراً منه لحالة مريضه وسأله بهدوء عن سبب غضبه، فرد عليه وهو يكاد يتمزق غيظاً: ما علاقة دواء (دودة الحكّة) بساق رجلي التي تهشّمت يا........؟.
بمنتهى الوقار اقترب الطبيب من أذن مريضه وهمس فيها: يا عزيزي .. لو لم تكن الدودة الخبيثة قد استعمرت تلك البقعة الاستراتيجية من جسدك وأثرت على سلوكك لما تسلّقتَ الشجرة التي سقطتَ منها وكسرتَ ساقكْ.
لا ضير في أن نضحك قليلاً ولكن الأهم هو أن نستخلص العبر، أنا شخصياً اُقِر بحكمة ذلك الطبيب الذي أصر على معالجةِ الأسباب الحقيقية والدوافع قبل معالجة ما يترتب عليها من آثار، فلو أنه قامَ بمعالجة الساق المكسورة وترك الدودة تفعل فعلها لانكسرت الساق مرة ثانية وثالثة ورابعة...
لا بأس أيضاً في أن نتساءل: لماذا لا يحذو قادتنا حذو ذاك الحكيم فيعملوا على مكافحة الدودة التي تُهيّج المُصابين بها وتدفعهم للاعتداء على أبراج الكهرباء وقطع الطرقات وتفجير أنابيب الغاز والنفط، والعبث بما تبقى (إن كان ثمة ما تبقى) من موارد (الدولة التي نهشتها الدودة) طوال 33 سنة مضت؟،هل علينا أن نكافح (الدودة أولاً) لنبني اليمن الذي نحلُمُ به جميعاً ؟ أم علينا أن نرفعَ شعار (اليمن أولاً) ونترك (الدودة) تنخرُ أجوافنا حتى تخرُج من سقف جماجمنا بينما يعكُفُ قادتنا على علاج الأعراض الجانبية.
أيُها الساسة ،، إن أبيتم إلا الاستمرار في تجبير كسور عظامنا، فاتركوا السلطة لصاحب (ظبر خيرة) أو (مصعبين) لأنهم أقدرُ منكم على تجبير الكسور، وإن كنتم تخشون مقاومة (الدودة) فصارحونا لنستبدلكم برطلٍ من الثوم وهو كفيلٌ بتخليصنا من كل الديدان التي تطفّلت ولا زالت تتطفل على أجسادنا.. وللأحرار فقط تحياتي. طارق الشيباني