الخميس، 23 يونيو 2011

حوار مع بجّاش عن نظام عفاش

بجّاش مواطن كادح وبسيط، له قلب من ذهب وعزة نفس لو وزِّعت على أهل الأرض لكفتهم، اصطحبته معي إلى ساحة التغيير وفي الطريق دار بيننا الحوار التالي:

أنا: كيف تشوف الأمور يا صاحبي؟.بجّاش: بالنهار أشوف غشش وبالليل ما أشوفش حاجة لأن الكهرباء طافي طول الليل وأنا طفران ما معيش حتى حق الشمع.أنا: أقصد أيش رأيك باللي يجري.بجّاش: اللي يجري يسبق اللي يمشي، والجري رياضة مليح للزِغار، أما أنا قَدَنا شيبة و الشمس تشوي صلعتي لما أمشي كيف لو جريت. أنا: يا بجّاش .. قصدي كيف تشوف الأحوال؟.بجّاش: قبل أمس طِلّع مهيوب أبن خالي من القرية وقال عادهم بدأوا يذرأوا الحَبْ، بس ما فيش مطر والأحوال كُلّهن يابسات. أنا: خِيرة الله عليك .. أتعبتني .. أنا ما أقصدش جِرَب الأرض اللي بالقرية .. قصدي أيش رأيك بالثورة ؟.بجّاش: هاااااااااااااااااا .. قُل أكه من الصُبح .. تشتي الصدق؟.. الثورة مش مليح .. والله إنها أخس حاجة.أنا: ليش يا صاحبي؟.. أنت مش ثوري ؟!.بجّاش: ممسكاً ذقنه بالسبابة والابهام .. الله المستعان .. أول مرة تغلط عليَّ .. أنا ثورك ؟!.. الله يُسامحك.أنا: (مقبِّلاً صلعته) أنت داري كم أحبك ومش ممكن أغلط عليك، بس أقصد إنك واحد من المُجَعجَعين اللي جاءت الثورة من أجلهم.بجّاش: صح أنا مُجَعجَع بس مو دخّل الثورة بجَعجَعتي ؟. أنا: طيب با أشرح لك، بس قُل لي أولاً أيش رأيك بالرئيس ؟.بجّاش: قصدك رئيسنا ؟ .. شوف .. أمانة إن الرئيس حقّنا أحسن واحد بالعالم.أنا: كم معك جُهال يا بجّاش؟.بجّاش: إصبر شا أعدهم .. مُقبل، هزاع، سعيد، عبده الباقي، سلّام، ردمان، مُزنه، حفصه، جليله، مِسك، زيون، هاجر .. يعني درزن الحمدُ لله.أنا: ما شاء الله .. طبعاً كلهم مُتعلمين صح ؟.بجّاش: مو قدّرنا ؟! .. بالله والنبي قدرتُ أقرّي أثنين منهم، والحمد لله كمّلوا دراستهم.أنا: ما شاء الله .. كمّلوا الجامعة ؟!.بجّاش: مو من جامعة ؟ .. كمّلوا صف ثالث بعد شِدّة وعلاج.أنا: يا أخي حرام عليك .. ليش ما خليتهم يواصلوا الدراسة ..؟ أوبه تُقل لي هُم ما يشتوش؟.بجّاش: لا أبداً .. أولادي كانوا يحبوا الدراسة أكثر من حُبهم للبُقري حقّنا .. لكن المدرسة اللي درسوا فيها كانت ثلاثة فصول بس، وبعيد عن قريتنا.. كانوا يسافروا لها بأرجلهم فجر وما يرجعوش إلا بعد المغرب. أنا: طيب ليش ما يركبوش مع أطرف سيارة جازع بالطريق؟.بجّاش: يا أخي ما عندناش طريق للحمير ننقل الماء فوقهن .. قلّك طريق سيارات!.أنا: نحن بالقرن الواحد والعشرين و بعد 49 سنة من قيام ثورة سبتمبر وعادكم تحلموا تنقلوا الماء بالحمير و مامعاكمش ولا مشروع مياه في المنطقة ؟!.بجّاش: أيش من قرن و أيش من ذيل .. يارجّال صلي عالنبي .. أنا هربتُ من القرية إلى عاصمة الجمهورية ولي خمس سنين أدوّر شُغل فيها ما أعرفش غير الكُدم وماء الوايت الذي يشربوا منه معظم سكان صنعاء، وأنت تشتي ماء المشروع يوصل لقريتنا ؟!.أنا: على الأقل في صنعاء ينقلوا الماء بالوايت لكن أنتم كيف تنقلوا الماء وما فيش حتى طريق للحمير؟بجّاش: والمكالف مو يعملين ؟! .. حرام إنهن يشقين أحسن من الحمير .. يحملين دبب الماء والحطب وعجور البهايم فوق رؤوسهن من سُفال الوادي إلى راس الجبل ما يقولينش آح.أنا: طيب والحمير حقكم أيش يعملوا؟ .. جالسين وزراء ؟!.بجّاش: شوف يا شيباني .. عيب عليك تغلط على الحمير.. أنا: خلاص أنا أعتذر لك ولكل الحمير، بس كيف تفعلوا لو مرض واحد من أهل القرية وتشتوا تسعفوه للمستشفى؟.بجّاش: يا أخي ما فيش عندنا مستشفى ولا مستوصف ولو مرض واحد، نبزّه عند الفقية يقرأ عليه قرآن ويطُزّه بالجمرة لوما يسرجين عيونه مثل لمبة الكهرباء اللي ما يعرفهاش أهل قريتنا .. وبعدا هو وحظه.أنا: وليش ما تسعفوه للمدينة؟.بجّاش: شنوصل وقد مات بالطريق، وبعدا بيني وبينك الفقيه حقّنا عادُه أخرج من دكاترة مستشفيات الحكومة اللي ما تلقى بها حبة دواء ولو دخلتها بأرجلك تخرج يوم ثاني جنازة.أنا: أسألك بالله يا بجّاش بعد هذا كُلّه تقول لي إنك تحب الرئيس وما تشتيش الثورة ؟!.بجّاش: قُلت لك حرام طلاق إن الرئيس حقّنا أحسن رئيس بالعالم، أما الثورة قسماً بالله ما تسوى قرش .. يا رجّال لو كان فيها شي مليح غير صور الرئيس، ما يبعوها بالجولات بثلاثين ريال، وأنا عُمري ما اشتريتها لأني ما أعرفش أقرأ .. بس لو لقيت واحدة أشُلّها من شان أفرشها للأكل أو لو دخلتُ أقضي حاجتي بحمّام المسجد والماء مقطوع قَدِه تنفعنا. أنا: قاتلك الله يا بجّاش مثل ما قتلتني .. أنا بالسوم وأنت بالشاجِبة .. أسألك من الصُبح على رأيك بثورة الشباب وأشتي أقنِعك بأهميتها وضرورتها وأنت تتحاكي على صحيفة الثورة .. أمرك إلى الله.

وللأحرار فقط تحياتي.. طارق الشيباني.

الثلاثاء، 7 يونيو 2011

فرصة غياب الدِّم لن تعوّض


لست بمشفق على صالح ولست ممن يظهرون الأسف على ما حدث له ويتمنون شفاؤه العاجل ليقال عنهم سلميون، متسامحون، لا يحملون حقداً أو ضغينة على من قتلهم ويقتلهم كل يوم ألف مرة، وفي قرارة النفس يتمنون لو أن العبوة الناسفة التي زُرعت داخل مُصلاه (إن كان يُصلي) قد مزقت جسده إرباً.
إن كان هناك من يشك في أن العبوة المذكورة قد زُرعت من قبل أقرب مقربيه فأنا لا أستبعد أن المسألة برمتها تمت بتدبير منه شخصياً لكنه أرادها أن تكون خفيفة التأثير عليه بالغة الأثر على من أتهمهم بمحاولة اغتياله فأبى الله إلا أن يرد كيده في نحره ربما بخطأ بسيط في حساب المقدار المناسب من المادة المتفجرة التي تؤدي الغرض المطلوب فزاد الماء على الطحين وحدث ما حدث، وما يمكن اعتباره قرينة على هذا الاستنتاج هو أن (أبليس) كان يلبس سترة واقية تحت (زنّة) الصلاة وهو في عقر داره وبين أحبائه وعبيده المخلصين الذين لا يعصون صالح ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون.
لست أيضاً مع من اعتبر رحيله إلى السعودية قد حقق المطلب الرئيس للثورة، ولا أرى فرقاً بين بقائه ورحيله طالما أن المنفذين لرغباته باقون في قلب الملعب ولهم ذات الفاعلية، فالرجل لم يكن يشارك فيما حدث ويحدث مشاركة ميدانية بل كان ولا زال يدير الأحداث عبر الهاتف ولا فرق بين هاتف يأتي من السبعين أو من المملكة.
لا أنكر أن رحيله قد أحدث فرقاً ولو معنوياً في نفوس مواليه ومعارضيه، لكن ما فائدة هذا الفرق إذا لم يتم استغلاله من قبل الخصم وتحويله إلى نصر مادي ملموس ؟.
لما لا تُستغل فرصة غياب (الدِّم الأكبر) بالسيطرة السريعة على صغاره من خلال العمل على تعطيل سُبل اتصاله بهم ومن ثم (نتف) مخالبهم مخلباً تلو الآخر ؟.
لما لا يتم التسريع بتشكيل المجلس الانتقالي الذي يفترض أن القائمة المطولة لأعضائه قد تم التعرف عليها خلال فترة الأربعة أشهر الماضية من عمر الثورة ولم يبقى إلا إعداد القائمة المصغرة والاتفاق بين مكونات الثورة الأساسية على إعلان الأسماء المتوافق عليها ؟.
إن كان الزحف إلى القصر الرئاسي هو أحد خطوات التصعيد الثوري المزمع تنفيذها فهل هناك وقت أفضل من هذا الذي نحن بصدده؟ وإن كان الجواب بالنفي فماذا ننتظر إذن ؟!


جُل ما أخشاه هو أن نبكي كثيراً على فرصة مازالت بأيدينا ولكنا بصدد تضييعها بسبب سلميتنا وإن شئتم سلبيتنا.

وللأحرار فقط تحياتي .. طارق الشيباني

السبت، 4 يونيو 2011

ما هكذا تُركب الإبل


بعيداً عن ما حدث ويحدث بين أولاد الشيخ الأحمر وبين علي صالح عفاش الدِّم الذي أتضح أنه دِم حقيقي بسبعة أرواح وليس بحكم لقبه الحقيقي فحسب ـ يبدو أيضاً أن للرجل علاقة بحيوان آخر، فبعد إحراق أجساد المعتصمين واحتلال ونهب بيوت الصامتين وهتك عرض نساء المُسالمين يُفترض أننا وصلنا للمرحلة التي لابد لنا فيها من مصارحة أنفسنا بواقع الحال، وإدراك أن ممارسة العتب السياسي المتمثل في الاعتصامات وصلاة الجمعة في الميادين والساحات ليس إلا (كركرة) لجمل فاقد للإحساس، وأن مواجهة الرصاص بصدور عارية تحت ذريعة سلمية الثورة ليس إلا انتحاراً بكل معنى الكلمة، خاصة إذا أدركنا أن إبادتنا عن بكرة أبينا لن تُهز شعرة من ذيل ذلك الجمل ولو اهتزت السموات والأرض، وقد أدرك جملّنا (رئيس جمهورية النهدين) أن تخلّيه عن كرسي السلطة بعد ارتكابه ما ظهر من جرائمه وما بطن لا يعني شيئاً سوى مواجهته لحتفه، وقد عبّر عن هذا الادراك وصرح به أكثر من مرة و نتذكر قوله في الأيام الأولى من الثورة : "لن أسلّم رقبتي إلى حبل المشنقة"، وبعدها برر رفضه التوقيع على المبادرة الخليجية بقوله: "لن أوقع على قطع رأسي".. إذاً فمسألة الكرسي بالنسبة له هي مسألة حياة أو موت، وإن اعتقدنا بأنه سيترك ذلك الكرسي راضياً مختاراً أو مُكرهاً تحت وطأة رمينا له بالورود كرد فعل لرميه لنا بالرصاص وقذائف الـ أر بي جي ـ يعني أننا قد بلغنا من السذاجة حداً صدّقنا معه أنه سيقبل أن يعلّق رقبته بحبل المشنقة من أجل خاطر عيون سلميتنا.

قد يقول قائل أن هذه دعوة لممارسة العنف والخروج عن نهج سلمية الثورة، وبدوري أقول كلّا .. لكنها دعوة للرجوع إلى معنى الثورة، فأن تثور يعني أن تغضب لا أن تعتب، وهي أيضاً دعوة لإعادة النظر في مفهوم السلمية وأساليبها التي يجب أن تستخدم في مواجهة الطغاة، آخذين في الاعتبار حقيقة أن ما قد يُجدى من وسائل في ظل الأنظمة الديمقراطية الحقة قد لا يُجدي بالضرورة في ظل الأنظمة الديكتاتورية المتسلّطة، ولكي نمتطي (جمل النهدين) لا بد لنا من أن نُبرِكه على الأرض أولاً ثم نركب عليه، لا أن نأتيه من خلفه وهو قائم كما فعل ذلك الغشيم الظاهر بالصورة ولن ينال من الجمل إلا الضرط أو رفسة قد تودي بحياته حتى إن بدى الجمل مُستمتعاً ..

وللأحرار فقط تحياتي .. طارق الشيباني