بجّاش مواطن كادح وبسيط، له قلب من ذهب وعزة نفس لو وزِّعت على أهل الأرض لكفتهم، اصطحبته معي إلى ساحة التغيير وفي الطريق دار بيننا الحوار التالي:
أنا: كيف تشوف الأمور يا صاحبي؟.بجّاش: بالنهار أشوف غشش وبالليل ما أشوفش حاجة لأن الكهرباء طافي طول الليل وأنا طفران ما معيش حتى حق الشمع.أنا: أقصد أيش رأيك باللي يجري.بجّاش: اللي يجري يسبق اللي يمشي، والجري رياضة مليح للزِغار، أما أنا قَدَنا شيبة و الشمس تشوي صلعتي لما أمشي كيف لو جريت. أنا: يا بجّاش .. قصدي كيف تشوف الأحوال؟.بجّاش: قبل أمس طِلّع مهيوب أبن خالي من القرية وقال عادهم بدأوا يذرأوا الحَبْ، بس ما فيش مطر والأحوال كُلّهن يابسات. أنا: خِيرة الله عليك .. أتعبتني .. أنا ما أقصدش جِرَب الأرض اللي بالقرية .. قصدي أيش رأيك بالثورة ؟.بجّاش: هاااااااااااااااااا .. قُل أكه من الصُبح .. تشتي الصدق؟.. الثورة مش مليح .. والله إنها أخس حاجة.أنا: ليش يا صاحبي؟.. أنت مش ثوري ؟!.بجّاش: ممسكاً ذقنه بالسبابة والابهام .. الله المستعان .. أول مرة تغلط عليَّ .. أنا ثورك ؟!.. الله يُسامحك.أنا: (مقبِّلاً صلعته) أنت داري كم أحبك ومش ممكن أغلط عليك، بس أقصد إنك واحد من المُجَعجَعين اللي جاءت الثورة من أجلهم.بجّاش: صح أنا مُجَعجَع بس مو دخّل الثورة بجَعجَعتي ؟. أنا: طيب با أشرح لك، بس قُل لي أولاً أيش رأيك بالرئيس ؟.بجّاش: قصدك رئيسنا ؟ .. شوف .. أمانة إن الرئيس حقّنا أحسن واحد بالعالم.أنا: كم معك جُهال يا بجّاش؟.بجّاش: إصبر شا أعدهم .. مُقبل، هزاع، سعيد، عبده الباقي، سلّام، ردمان، مُزنه، حفصه، جليله، مِسك، زيون، هاجر .. يعني درزن الحمدُ لله.أنا: ما شاء الله .. طبعاً كلهم مُتعلمين صح ؟.بجّاش: مو قدّرنا ؟! .. بالله والنبي قدرتُ أقرّي أثنين منهم، والحمد لله كمّلوا دراستهم.أنا: ما شاء الله .. كمّلوا الجامعة ؟!.بجّاش: مو من جامعة ؟ .. كمّلوا صف ثالث بعد شِدّة وعلاج.أنا: يا أخي حرام عليك .. ليش ما خليتهم يواصلوا الدراسة ..؟ أوبه تُقل لي هُم ما يشتوش؟.بجّاش: لا أبداً .. أولادي كانوا يحبوا الدراسة أكثر من حُبهم للبُقري حقّنا .. لكن المدرسة اللي درسوا فيها كانت ثلاثة فصول بس، وبعيد عن قريتنا.. كانوا يسافروا لها بأرجلهم فجر وما يرجعوش إلا بعد المغرب. أنا: طيب ليش ما يركبوش مع أطرف سيارة جازع بالطريق؟.بجّاش: يا أخي ما عندناش طريق للحمير ننقل الماء فوقهن .. قلّك طريق سيارات!.أنا: نحن بالقرن الواحد والعشرين و بعد 49 سنة من قيام ثورة سبتمبر وعادكم تحلموا تنقلوا الماء بالحمير و مامعاكمش ولا مشروع مياه في المنطقة ؟!.بجّاش: أيش من قرن و أيش من ذيل .. يارجّال صلي عالنبي .. أنا هربتُ من القرية إلى عاصمة الجمهورية ولي خمس سنين أدوّر شُغل فيها ما أعرفش غير الكُدم وماء الوايت الذي يشربوا منه معظم سكان صنعاء، وأنت تشتي ماء المشروع يوصل لقريتنا ؟!.أنا: على الأقل في صنعاء ينقلوا الماء بالوايت لكن أنتم كيف تنقلوا الماء وما فيش حتى طريق للحمير؟بجّاش: والمكالف مو يعملين ؟! .. حرام إنهن يشقين أحسن من الحمير .. يحملين دبب الماء والحطب وعجور البهايم فوق رؤوسهن من سُفال الوادي إلى راس الجبل ما يقولينش آح.أنا: طيب والحمير حقكم أيش يعملوا؟ .. جالسين وزراء ؟!.بجّاش: شوف يا شيباني .. عيب عليك تغلط على الحمير.. أنا: خلاص أنا أعتذر لك ولكل الحمير، بس كيف تفعلوا لو مرض واحد من أهل القرية وتشتوا تسعفوه للمستشفى؟.بجّاش: يا أخي ما فيش عندنا مستشفى ولا مستوصف ولو مرض واحد، نبزّه عند الفقية يقرأ عليه قرآن ويطُزّه بالجمرة لوما يسرجين عيونه مثل لمبة الكهرباء اللي ما يعرفهاش أهل قريتنا .. وبعدا هو وحظه.أنا: وليش ما تسعفوه للمدينة؟.بجّاش: شنوصل وقد مات بالطريق، وبعدا بيني وبينك الفقيه حقّنا عادُه أخرج من دكاترة مستشفيات الحكومة اللي ما تلقى بها حبة دواء ولو دخلتها بأرجلك تخرج يوم ثاني جنازة.أنا: أسألك بالله يا بجّاش بعد هذا كُلّه تقول لي إنك تحب الرئيس وما تشتيش الثورة ؟!.بجّاش: قُلت لك حرام طلاق إن الرئيس حقّنا أحسن رئيس بالعالم، أما الثورة قسماً بالله ما تسوى قرش .. يا رجّال لو كان فيها شي مليح غير صور الرئيس، ما يبعوها بالجولات بثلاثين ريال، وأنا عُمري ما اشتريتها لأني ما أعرفش أقرأ .. بس لو لقيت واحدة أشُلّها من شان أفرشها للأكل أو لو دخلتُ أقضي حاجتي بحمّام المسجد والماء مقطوع قَدِه تنفعنا. أنا: قاتلك الله يا بجّاش مثل ما قتلتني .. أنا بالسوم وأنت بالشاجِبة .. أسألك من الصُبح على رأيك بثورة الشباب وأشتي أقنِعك بأهميتها وضرورتها وأنت تتحاكي على صحيفة الثورة .. أمرك إلى الله.
وللأحرار فقط تحياتي.. طارق الشيباني.