لا أخفيكم بأني انهضُ كل يوم من الفراش مجبراً وكأن أحدهم قد وضع حول عنقي طوقاً حديدياً مربوط بسِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا وأخذَ يجرني سحباً إلى الحمّام لأداء المراسم المعتادة، وبعد أن أتم لبس وتناول ما تيسر أقبّل (الشيبّنه) الصِغار واضعاً في جيبوهم المصروف المدرسي ثم أخرج إلى حوش المنزل .. أشغل سيارتي و أنطلق بها على بركة الله نحو مكتبي لمزاولة الروتين اليومي المقيت، ولا أنسى وأنا في الطريق أن أجلِدَ ذاتي بالاستماع إلى أخبار وخطابات الفندم وذلك بغرض تحميّة بطني بقليل من المغص (حسب نصيحة الطبيب) ومن ثم الاسهال الذي يتم التعامل معه مباشرة حال الوصول إلى حمام المكتب (إن استطعت إلى ذلك سبيلا) وإن لم استطع فلا يكلّفُ الله نفساً إلا وسعها ..
أصدقائي الأعزاء .. قلت ما قرأتم لا لسبب غير أني أشعر بأن كثيراً منكم يُعاني من نفس الاحساس بكراهة الروتين الذي نمارسه جميعاً صباح كل يوم عند استيقاظنا من النوم وذهابنا لأعمالنا .. وإن اختلفنا في بعض التفاصيل.. والسؤال هو .. تُرى هل السبب في هذا الشعور المُحبِط هو إدراكنا بأننا لن نسمع في الصباح من إذاعتنا المحلية ولن نقرأ في جرائدنا الرسمية إلا كل ما يُسبب المغص ويؤدي إلى الاسهال من تمجيد لفخامته وتعظيم لمنجزات لا وجود لها أصلاً و إطراء على خطابات سمِجة تكاد تخلو من جملة مفيدة واحدة، ينقلِب فيها المُذكر إلى مؤنث وينقلب الجمع إلى مُثنى و تتحول التي إلى الذي و هم إلى هما .. و شُلَ لك من (الجغص والجغيص) الذي يورِّم الخصيتين .. ثم يلي ذلك تعامل يومي مع نظام وممارسات وإجراءات لا ينطبق عليها إلا قول الشاعر : مُكرٌ مُفرٌ مُقبلٌ مُدبرٌ معاً ... فلا رجعت ولا رجع الحِمارُ ..
قد يضحك البعض من بيت الشعر (المُلَعفز)، ولكني أتألم بحق عندما أقارن حالنا هذا بحال الفيلسوف الفرنسي هنري دي سان سايمون (Saint Simon) الذي كان يطلُب من مُساعِده أن يوقظه كل صباح ليس على أنغام موسيقى هادئة بل بعبارة :
(انهض سيدي الكونت .. فإن أمامك مهام عظيمة لتؤديها للبشرية) .. فيصحو الرجل متفائلاً تملئه الحيوية ويدب بجسده النشاط فينطلق كالحصان ليؤدي عمله الذي لم يكن سوى القراءة وكتابة بعض الأفكار والنظريات الهادفة إلى اصلاح مجتمعه ليتحول إلى مجتمع عادل يسوده تكافؤ الفرص ..
عِباد الله .. أوصيكم ونفسي بالاقتداء (في هذه المسألة) بالكونت سايمون.. رغم أنه لم يُبتلى بفندم كفندمنا ولا نظام كنظامنا ولم يُعاني من التضليل والكذب الذي تُمارسه وسائل إعلامنا وبالتالي لم يكن يُصاب بالإسهال صباح كل يوم، ولكنه هو الآخر قد تعرّض في حياته للجوع والتشرد وتحمّل من الصِعاب الكثير في سبيل إيصال رسالته التي آمن بضرورة أدائها تجاه مجتمعه، وعلينا نحن أيضاً أن نؤدي أدوارنا في ثورة التغيير على أكمل وجه مهما كانت تلك الأدوار بسيطة من وجهة نظرنا لكنها ستكون عظيمة الأثر متى ما آمنا بها وأديناها بروح الحماس والاتقان، عملاً بحديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم :((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)) .
وللأحرار فقط تحياتي.. طارق الشيباني
26 إبريل 2011
26 إبريل 2011