مع أن مراوغات الرئيس صالح وكذبه على الشعب طيلة فترة سنوات حُكمه العجاف كانت واضحة كعين الشمس التي يستبعدها عندما يُصرّح في خطاباته قائلاً أن استلام السلطة من قبل هؤلاء (ويقصد أي أحد سواه) هو أمر أبعد من عين الشمس، إلا أن الكثير من بسطاء الناس كانوا ومازالوا يرفضون وبشدة إلصاق صفة المراوغ بالسيد صالح بل ربما أخرج أحدهم (صميله) مُلوِحاً به في وجه من يُشكّك في كلام و نوايا الزعيم المُفدّى أو يُحاول المساس بأي شكل من الأشكال بالذات الرئاسية (كما يسمّونها).
جاءت المبادرات الخليجية التي نحن بصددها لتُأكد للأشقاء قبل الاصدقاء مراوغات صالح، وقد تجلّت تلك المراوغات في تصريحات النظام بأشكال وألوان متعددة منها على سبيل المثال لا الحصر أن التصريحات الرسمية كانت ولا تزال تأتي بصيغ مموهة مثل: "عبّر مصدر مسئول" أو افاد مصدر بأن "الرئاسة" .. ونحن جميعاً لا ندري من هو هذا المصدر المسؤول و من هي تلك الرئاسة والغرض في الأخير هو تسهيل التملّص من هذه التصريحات و تكذيب مصدرها المزعوم عند الاقتضاء، بالإضافة إلى استخدام ألفاظ مطاطة وغير محددة المعنى يُمكن أن تُفسّر حسب مقتضيات الموقف لاحقاً ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر القول بأن الرئيس سيتعامل (بإيجابية) مع المبادرة الخليجية .. ويدرك من عنده الحد الأدنى من الفهم بأن مُجرد الاستماع للمبادرة ومن ثم الاعتذار عن قبولها شكلاً ومضموناً يُعد تعاملاً إيجابياً معها طالما لم يقُم صالح برميها على الأرض كما فعل صديقنا الرائع علي صلاح بموسوعة دواوين (تأليه) الرئيس ..
وحتى بعد أن يتم التوقيع على الصيغة المعدّلة والنهائية للمبادرة في الأسبوع القادم، لا أتوقع إلا أن يُضرَب بها عرض الحائط في حال أن الفندم اكتشف لاحقاً أن بنداً من البنود أو آلية من آليات تنفيذ هذا البند أو ذاك لا يحقق مصلحته أو لا يتفق مع مزاجه، بغض النظر عن الضمانات التي سيٌقدمها هذا الطرف أو ذاك للقيام بالتنفيذ ..
لحظة من فضلكم .. لا تتهِمُوني بالتشاؤم، فأنا لست متشائماً ولا أدعو أحداً أن يكون كذلك، ولكنها مُجرد قراءة عابرة لواقعٍ مُر تدعمها خبرة سابقة علّمتني عدم الثقة بهذا النظام واركانه، ولعل منبع الايمان بعدم مصداقية النظام هو إصرار صالح على ممارسة الكذِب المفضوح على مرأى ومسمع من عباد الله أجمعين دون خجل ولا وجل، وسيبقى صالح يُصر على أن (الغراب هو عنزة ولو طارت).. طالما أن هذا النوع من الكذب والاصرار عليه يحقق مصالحه.
ولا أرى بأساً في أن نعرِّج بسرعة على بعض أساليب المراوغة والخداع الطازجة التي يمارسها صالح هذه الأيام، ومن ذلك قيامه بتقديم إحدى رجليه باتجاه الموافقة على المبادرة الخليجية في النهار لإقناع الوسطاء بحُسن نواياه ثم يقوم بسحب تلك الرِجل والعودة خطوتين إلى الوراء في المساء وتحديداً بعد المقيّل مع (خُبرته) من المستشارين الأفذاذ خاصة إذا أفادوه بأن الخليجيون يريدون أن (يزيدوا) عليه.
وعندما وجد صالح نفسه مُتورطاً بالمبادرة المذكورة باعتبار أن المجتمع الدولي تعامل معها على محمل الجد، أعطى عصابته الضوء الأخضر ليقوموا بارتكاب مجزرة جديدة أهداها للشعب يومنا هذا الموافق 27 ابريل 2011 إحياءً لذكرى يوم الديموقراطية ليقول من خلالها للخليجيين والمجتمع الدولي: إنا وحدي القادر على قتل هذا الشعب فلا تساوني بالطرف الآخر.
إثر مشاهدتي لجثث المجزرة أعترتني نوبة من فقدان الوعي لم تتجاوز بضع دقائق، رأيت خلالها أنَ الوسطاء قد مارسوا الضغط على صالح لإجباره على البدء الفوري بتنفيذ بنود المبادرة الخليجية، وتحت وطأة هذا الضغط قام صالح بسحب كلتا رجليه رجوعاً إلى الخلف و أخرج للمفاوضين رِجلاً ثالثة كان يُخفيها عن الجماهير .. (أنظر الصورة ولا تدع خيالك يذهب بك بعيداً)، و قال لهم بان اخراجه لرجله الثالثة ما هو إلا تعبيرٌ رمزي لقبوله التنحي عن منصبه و موافقته على نقل صلاحياته وسُلطاته لنائب الرئيس، عندها تعالت اصوات الوسطاء بالثناء عليه وصفقوا له بحرارة مبدين اعجابهم بنزوله عند رغبة الشعب، ولكنهم اكتشفوا لاحقاً أنه قبل أن يوقّع على إقرار نقل الصلاحيات للنائب كان قد أصدر مرسُوماً رئاسياً برقم 2013 لسنة 2011 يقضي بتعين الأخ/ علي عبد الله صالح نائباً للرئيس.
وللأحرار فقط تحياتي .. طارق الشيباني.
27 إبريل 2011
27 إبريل 2011