الخميس، 28 أبريل 2011

بين الحلال والحرام مسألة للنقاش

(محاولة للبحث عن حل إسلامي للاقراض النقدي)


احتاج عبد الله لاقتراض مبلغ 100,000 ريال لقضاء بعض حاجاته الضرورية فحاول الحصول على المبلغ من الأصدقاء والمعارف إلا أن المحاولة باءت بالفشل لاعتذار الجميع بالحجة المعروفة وهي أن الظروف لا تسمح، فاضطر للجوء إلى بنك تجاري، فقيل له أن البنك يتقاضى ما نسبته 20% كفائدة سنوية على القرض بمعنى أن البنك سيعطيه 100,000 ريال ولكنه سيسترد منه بعد عام مبلغ 120,000ريال – تدخل صديقه محمد وأقنعه بعدم أخذ القرض من هذا البنك لأن الاقتراض من البنوك التجارية هو ربا محرم سيورده جهنم وبئس المصير، ونصحه باللجوء إلى بنك إسلامي وعندما ذهب اكتشف بأن طرق التمويل المتاحة في البنوك الإسلامية بما في ذلك:المضاربة,المرابحة,الإيجارة

,المزارعة,السلم,الاستصناع,المش

اركة ... جميعها لا تفي بالغرض فهو يحتاج ببساطة إلى قرض حسن على هيئة نقد يتيح له سداد التزاماته والإنفاق على أهل بيته، إلا أن البنوك الإسلامية التي يعرفها ونعرفها نحن لا تمنح مثل هذه القروض، فما كان منه إلا أن ذهب إلى تاجر يدعى عبد الحكيم لطلب القرض نظير رهن فاعتذر هو الآخر لأنه يعرف بأن قرضه الحسن سيعود عليه بالخسارة من ناحيتين أولهما أن المبلغ سيرد إليه بنفس الكم ولكن ليس بنفس القيمة باعتبار أن القوة الشرائية للمبلغ المسترد ستكون أقل مما كانت عليه عند الإقراض (كما سيرد لاحقا) وثانيهما أنه سيضيع عليه فرصة بديلة متمثلة في استثمار المبلغ والحصول على عوائد وأرباح إضافية مركبة طيلة فترة بقاء القرض عند عبد الله، ومع ذلك وتحت وطأة شعور عبد الحكيم بالحاجة الملحة لعبد الله وترأفا بحاله اقترح عليه أن يبيعه بضاعة بالأجل وعرض عليه أن يقوم بدوره بإعادة بيعها لتاجر آخر ليحصل على النقد الذي يريد، فوافق عبد الله على الفكرة، وأخذ بضاعة تكلفتها على عبد الحكيم 80,000 ريال وقال عبد الحكيم لعبد الله أنا أبيع هذه البضاعة نقدا بمبلغ 100,000 ريال ولكن بما أنك لا تملك النقد فسأوجل لك ثمنها لمدة عام ولكن الثمن سيرتفع في هذه الحالة إلى 120,000 ريال ولكن لا تقلقل فهذه الزيادة نظير الآجل لا غبار عليها من الناحية الشرعية، حيث : ( تجوز زيادة الثمن المؤجل عن الثمن الحال في قول جمهور أهل العلم من السلف والخلف، من غير مخالف يعتد بخلافه) وهذا ما أقره أيضاً مجمع الفقه الإسلامي في قراره رقم : 51 (2/ 6).

وبعد الاطلاع على الفتوى واطمئنانه لها وافق عبد الله على العرض المقدم من عبد الحكيم وأخذ البضاعة شاكراً بعد أن كتب على نفسه سندا بثمنها البالغ 120,000ريال، وذهب بها إلى التاجر ماهر ليبيعها له بسعر الجملة الذي تباع به هذه البضاعة وهو80,000 ريال فأعتذر ماهر عن شرائها بهذا السعر وقال له : صحيح أنني أشترى هذه البضاعة من مصدرها بـ 80,000 ريال ولكني لا أدفع ثمنها حالاً بل أدفعه مؤجلاً ،أما أنت فتريد الثمن نقدا وحالا وأنا لا مانع عندي من ذلك ولكني سأدفع لك 60,000 ريال فقط لا غير ثمن الحال، فرفض عبد الله العرض في بداية الأمر لكنه لم يجد عرضاً أفضل فعاد ووافق عليه, وكانت النتيجة أن عبد الله لم يحصل سوى على مبلغ 60,000 ريال نقدا فقط من ماهر وعليه مقابل ذلك أن يسدد للتاجر عبد الحكيم 120,000 ريال (بطريقة شرعية).

عندها تساءل عبد الله قائلاً: لقد رفضت أن أحصل على المبلغ الذي يكفي لسد حاجتي مقابل أن أدفع للبنك التجاري زيادة قدرها 20% فقط بعد عام، بينما حصلت الآن على مبلغ لن يفي إلا بـ 60% من حاجتي وعلي أن أدفع َضعفه بعد عام أي بزيادة قدرها 100%، فإن كان عرض البنك التجاري ربا حراما ؟ ألا يعتبر ما حصل لي بطريقة شرعية جريمة – والله لقد ذبحت كما تذبح الدجاج على الطريقة الإسلامية؟ .

من ناحية أخرى أخذ يفكر ويقول في نفسه لو أنني كنت اقترضت مبلغ المائة ألف من البنك التجاري واشتريت به سلعاً معمرة كأثاث أو أجهزة منزلية أو ما شابه وتركت هذه السلع مخزونة عاماً كاملا إلى أن يحين موعد سداد القرض حتى دون أن استثمرها بالمتاجرة بها لأرتفع سعرها في السوق (نتيجة التضخم السائد) ربما بأكثر من الـ20% التي كنت سأدفعها للبنك التجاري كفائدة، أو بمعنى آخر لو أن البنك استعاد بعد عام مبلغ الـ 120,000 ريال وأراد أن يشتري بها نفس السلع التي اشتريت بمبلغ الـ 100,000 ريال قبل عام لأشتري نفس الكمية دون زيادة بل ربما أقل، أي أن البنك عملياً كان سيحصل بعد عام على قيمة نقدية تعادل أو قد تقل عن القيمة النقدية للمبلغ الذي قام بإقراضه، ثم ماذا لو أن مبلغ القرض كان بالدولار مثلا أو بأي عملة ذات قيمة ثابتة نسبيا أكثر من الريال وتم إنفاق القرض في حينه وبعد عام كان سعر الدولار مقابل الريال قد ارتفع وهو ما يحصل باستمرار، ألن أضطر حينها لشراء الدولار من السوق بمبلغ من الريالات أكبر بكثير من ذلك المبلغ الذي اشتريت به السلع قبل عام ؟، فلماذا إذن يعد من الحرام أن يستعيد الدائن نفس القيمة أو القوة الشرائية للنقود التي سبق أن أقرضها لغيره (ويضطر لاستعادة نوع النقود وعددها دون قيمتها)؟.

وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن مجمع الفقه الإسلامي قد أصدر قراره رقم : 42 ( 4/5) بشأن تغير قيمة العملة الذي تضمن أن: (العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما، هي بالمثل وليس بالقيمة، وأن الديون تُقضى بأمثالها، ولا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أيا كان مصدرها بمستوى الأسعار.) كما جاء في البند رابعا من قرار المجمع رقم ( 8/6) 75 بشأن قضايا العملة أن: ( الدين الحاصل بعملة معينة لا يجوز الاتفاق على تسجيله في ذمة المدين بما يعادل قيمة تلك العملة من الذهب أو من عملة أخرى، على معنى أن يلتزم المدين بأداء الدين بالذهب أو العملة الأخرى المتفق على الأداء بها.)

ومع احترامنا لكل قرارات وفتاوى المجمع ومنها ما جاء بالقرارين المذكورين في الفقرة الأخيرة نرى أن من حقنا أن نسأل لماذا ؟، ألا يُلحق ذلك ضرراً بالدائنين نتيجة تضاؤل القوة الشرائية لنقودهم التي أدانوها للغير بسبب الارتفاع المتنامي لأسعار السلع يوما بعد آخر، ألن يؤدي هذا الأمر في النهاية إلى امتناع الناس عن مساعدة و قضاء حاجات بعضهم البعض ويقضي على التكافل والتآزر فيما بينهم؟ ثم أليست القاعدة التي نحتكم إليها في شريعتنا الغراء هي أن لا ضرر ولا ضرار؟ وأخيرا ما هي الحلول التي يقدمها فقهاؤنا الأجلاء لمثل هذه المشكلات ؟!.

أخيراً أقر أنا الموضح أسمي أدناه أن الحكاية أعلاه وشخصياتها هي من نسج خيالي ولكني لا أستبعد أن معاناة بطلها عبد الله تتكرر كل يوم مع آلاف من عباد الله أمثاله، ويعلم الله أني لم أقصد بطرحي للموضوع إلا مناقشة المختصين والمهتمين للحصول على إجابات مقنعة للأسئلة المطروحة ومحاولة التوصل لحلول عملية خدمة للدين وتيسيرا على المسلمين، و جزى الله خير الجزاء كل من سيدلي بدلوه ويرسل إلي رأيه في هذا الموضوع... والله من وراء القصد . .

طارق الشيباني.  12 مارس 2010